محمد صلى الله عليه وسلم وما يسطرون
المثال الأسمى
أحمد ديدات إن قيمة هذا الكتاب ترجع لعرض مؤلفه للرسول والرسالة والمسلمين عرضا علميا وتاريخيا حاول فيه أن يكون محايدا فيبين فضائل نبي الإسلام وفضل الإسلام على العالم ويرد على بعض الشبهات والافتراءات التي أثارها حوله أعداؤه من المستشرقين وغيرهم من الحاقدين
المحمديون ؟ إن الغربي خبير في اختراع الأسماء . وعندما اخترع المصابيح الكهربائية المتوهجة الضياء أطلق عليها " مصابيح مازدا " . و " مازدا " هو " إله النور " عند " الزرادشتيين "
([1]) . وفي جنوب إفريقية يحقق السكان ذوو الأصل الأوربي نجاحا فائقا من بيع سمن صناعي نباتي إسمه " راما "
([2]) . و " راما " هو " الإله البشري " عند عدد كبير من السكان هنا
([3]) إن الرجل الأبيض يصف نفسه بأنه مسيحي لأنه يعبد المسيح وهو يسمي من يعبد بوذا بالبوذي وبنفس المنطق فإنه يسمي المسلم محمدي لافتراضه أنه أي المسلم يعبد محمدا صلى الله عليه وسلم ولكن حقيقة الأمر أنه لا يوجد أي امرؤ من بين الألف مليون مسلم في العالم يفعل ذلك ودعنا نفترض أنه ثمة مجنون يعبد محمدا صلى الله عليه وسلم والذي يمكن أن يسمى محمديا بسبب تعصبه الأعمى
والآن إذا ذهب هذا المحمدي المفترض بكل تحمس دفعه للارتحال لكي يبشر بمحمديته عبادة محمد صلى الله عليه وسلم بين السكان البدائيين في جنوب أستراليا ويجادل هذا الشعب المتخلف المسكين ويطالبه بقبول محمد صلى الله عليه وسلم كإله لهم ، فحينئذ يمكنك أن تتخيل جيدا هذا الإنسان الفطري وهو يسأل صاحبنا المضلل : هل كان محمد أتناتو
[4]؟
سيجيب كل أحد حتى صاحبنا المجنون : لا
وماذا عن أبطال وبطلات العالم الذين يعبدهم اليوم ملايين من الرجال والنساء المتحضرين في زمننا هذا ؟ فلتقدم إلى هذا الرجل البدائي جميع من رشحتهم للألوهية واحدا تلو الآخر – ولماذا لا تحاول تقديم آلهتك البشريين سواء الأصلي منهم أو المتوهم سواء الذكور منهم أو الإناث – وسوف يرشقك في كل مرة بواسطة قذيفته القاتلة بواسطة الأتناتو أي مفهومه السامي عن الإله أليس ذلك الإنسان البدائي أسمى في مفهومه عن الإله ، عن الملايين من البشر في أوروبا وأمريكا وآسيا وإفريقية
[5]؟
الكراهية المتعهَّدَة
لا يمكن أن نلوم المسيحيين على نزعتهم التشككية فقد بُرمجوا كذلك منذ قرون لقد وُجّهوا لأن يظنوا بهذا الرجل : محمد صلى الله عليه وسلم ودينه : الإسلام ظن السوء وما أنسب ما قاله توماس كارلايل عن إخوته المسيحيين منذ أكثر من مائة وخمسين سنة مضت: إن الأكاذيب التي أثارتها الحماسة الصادرة عن حسن نية حول هذا الرجل أي محمد صلى الله عليه وسلم لا تشين إلا أنفسنا
ونحن المسلمين مسئولون إلى حد ما عن هذا الجهل المذهل للمليار ومائتي مليون مسيحي في العالم إننا لم نفعل أي شيء هام لكي نزيل نسيج العنكبوت المضروب علينا
[6] مصدر رسالته صلى الله عليه وسلم كانت هذه هي القصة
([7]) ولكن كيف علم بها محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ؟
لقد كان أميا فلم يعرف القراءة ولا الكتابة . إن الله القدير جعله يجيب عن هذا السؤال في الآية المذكورة آنفا بأن يقول إن ذلك كله كان " بواسطة الوحي الإلهي "
([8]) سيعترض الذي يكثر المجادلة قائلا : لا ! هذا إختلاق محمد نفسه لقد نقل وحيه عن اليهود والنصارى ، لقد انتحله لقد زوَّره وعلى الرغم من تمام علمنا وإيماننا الكامل بأن القرآن الكريم هو كلام الله الحقيقي ، فإننا مع ذلك سنفترض جدلا للحظة صدق أعداء محمد صلى الله عليه وسلم فيما زعموا من أنه ألف القرآن الكريم بنفسه والآن يمكننا أن نتوقع بعض الاستجابة من غير المؤمن
الآن إسأل المجادل : هل تشك في أن محمداً صلى الله عليه وسلم كان عربيا ؟ لن يتردد في التسليم بهذا الأمر إلا المعاند الأحمق وفي هذه الحالة لا جدوى من مواصلة المناقشة عندئذ إقطع الحديث وأغلق الكتاب ! إنما نواصل المناقشة مع رجل ذو عقل رشيد إسأله : هل تشك في أن هذا النبي العربي إنما كان يخاطب في أول الأمر عربا أيضا ؟ إنه لم يكن يخاطب مسلمي الهند ولا مسلمي الصين ولا مسلمي نيجيريا بل كان يخاطب قومه من العرب
وسواء وافقوه أو لم يوافقوه ، فقد أخبرهم في أسمى الأساليب وبكلمات كادت تحترق في قلوب وأفئدة مستمعيه: أن مريم أم عيسى عليهما السلام اليهودية
[9] أصطفيت على نساء العالمين فلم تكن التي اصطفيت أمه أي أم محمد صلى الله عليه وسلم أو زوجته ولا ابنته ولا أي امرأة عربية أخرى ، بل كانت امرأة يهودية
فهل يمكن لأحد أن يعلل ويفسر هذا الأمر ؟ فبالنسبة لكل أحد تأتي أمه وزوجته وابنته قبل نساء العالمين في المنزلة فما الذي يدعو نبي الإسلام أن يكرم امرأة من المعارضين أو المخالفين ؟! وبخاصة من اليهود ؟! وهي تنتمي إلى جنس طالما ازدرى قومه العرب لثلاثة آلاف سنة ، تماما كما يزدرون اليوم إخوتهم العرب
سارة وهاجر يستمد اليهود عنصريتهم الحاقدة من كتابهم المقدس
[10] ، حيث يقال لهم أن أباهم إبراهيم كان له زوجتان هما : سارة وهاجر
[11] وهم يقولون أنهم أبناء إبراهيم من زوجته الشرعية سارة أما إخوتهم العرب فهم من سلالة الجارية هاجر ، ولذلك فالعرب هم نسل أدنى منزلة وأقل شأنا في نظرهم فهل يتفضل أي أحد ويشرح لنا لماذا يختار محمد صلى الله عليه وسلم –إذا كان هو مؤلف القرآن–هذه المرأة اليهودية لمثل هذا المقام الرفيع مخالفا بذلك كل قياس ؟
الإجابة بسيطة وهي : أنه لم يكن لديه خيار : لم يكن لديه الحق في التعبير عن هواه الخاص قال تعالى : إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى-النجم : 4
سورة مريم
هناك سورة في القرآن الكريم تسمى سورة مريم وقد سميت بهذا الإسم تكريما لمريم أم عيسى عليهما السلام ولم تحفل مريم عليها السلام بمثل هذا التكريم حتى في الكتاب المقدس ومن بين 66 ستة وستين كتابا للبروتستانت و 73 ثلاثة وسبعين كتابا للرومان الكاثوليك لا يوجد كتاب واحد يسمى بإسم مريم أو إبنها عليهما السلام وإنك لتجد كتبا تسمى باسم متى ومرقس ولوقا ويوحنا وبولس بالإضافة لضعف هذا العدد من الكتب ذات الأسماء الغامضة ، ولكن ليس هناك كتابا واحدا من بينها ينسب إلى عيسى أو مريم عليهما السلام
ولو كان محمد صلى الله عليه وسلم هو مؤلف القرآن الكريم ، ما كان ليعجز عن أن يضمن فيه بجانب اسم مريم أم عيسى عليهما السلام ، اسم أمه آمنة أو زوجته العزيزة خديجة أو ابنته الحبيبة فاطمة رضي الله عنهن أجمعين
ولكن كلا ! وحاشاه أن يفعل ! إن هذا لا يمكن أبدا أن يكون فالقرآن الكريم ليس من صنع محمد صلى الله عليه وسلم
[12] دفاع عن عيسى عليه السلام إن القرآن الكريم الذي أنزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم ليجعل هذا الرسول يبرئ عيسى عليه السلام من تهم وافتراءات أعداءه الكاذبة
[13] وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً-مريم : 32
محمد بشارة المسيح وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ-الصف : 6 إنه مما يحسب لعيسى عليه السلام ممارسته لما كان يعظ به ويدعو إليه فهو لم يدع أبدا أمميا
[14] واحدا طوال حياته إلى دين الله واحتاط لأن تكون حفنة مختاريه حوارييه الإثني عشر منتمية إلى بني جلدته كما أنه لم يأت بدين مبتدع وما جاء إلا مؤكدا للتعاليم التي بين يديه وقد قال : لا تظنوا إني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء ما جئت لأنقض بل لأكمل فإني الحق أقول لكم إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل فمن نقض إحدى هذه الوصايا الصغرى وعلم الناس هكذا يدعى أصغر في ملكوت السموات وأما من عمل وعلم فهذا يدعى عظيما في ملكوت السموات متى 5 : 17 – 19
وقارن قوله تبارك وتعالى : {مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ} بما جاء في هذه الفقرات الثلاثة من الإصحاح الخامس من إنجيل متى المذكورة أعلاه ، وسوف تلاحظ أن الأسلوب القرآني لا يسرف في استخدام الكلمات إنه يبلغ بإيجاز رسالة الله بوضوح ودقة
البشارة أو النبأ السار
إنني لا أستحي ولا داعي للحياء لنقلي تعليق عبد الله يوسف علي ، على كلمة أحمد في ترجمته الإنجليزية ، نقلا حرفيا ولكن قبل أن أفعل ذلك دعني أعبر على نحو ملائم عن احترامي وإعجابي بمجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة الذي يقوم بطباعة الملايين من النسخ المترجمة لمعاني القرآن الكريم في عديد من اللغات المختلفة
إن السبب الذي دعاهم إلى استخدام ترجمة عبد الله يوسف علي كأساس لطبعتهم تلخصه هذه الكلمات : جازف عدد من الأفراد في الماضي بترجمة القرآن ولكن أعمالهم كانت بصفة عامة محاولات شخصية متأثرة لدرجة كبيرة بالأهواء والأغراض والأحكام المسبقة
ولقد أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز المرسوم الملكي رقم تسعة عشر ألف ثمانمائة و ثمانية و ثمانين بتاريخ 16 / 8 /1400 هـ حينما كان يشغل منصب نائب رئيس الوزراء ، من أجل إصدار ترجمة معتمدة خالية من الأهواء والاتجاهات الشخصية
وبناء عليه فقد اختيرت ترجمة المرحوم الأستاذ عبد الله يوسف علي لخصائصها الممتازة المتمثلة في أسلوبها الرفيع واختيار الكلمات القريبة لمعاني النص الأصلي والتعليقات العلمية والتفسيرات المصاحبة- رئاسة البحوث الإسلامية والإفتاء والدعوة والإرشاد
إن التعليق المعطى أدناه هو أحد تعليقات ثلاثة في شرح النبوءة التي وردت على لسان عيسى عليه السلام فيما يتعلق بمجيء محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك من بين أكثر من ستة آلاف تعليق توضيحي متسم بعمق الفكر فـي ترجمة عبد الله يوسف علي
من هو المعزى ؟ أحمد أو محمد المثنى عليه أو الممدوح أو المحمود هو تقريبا ترجمة للكلمة اليونانية بيريكليتوس Periclytos
وفي إنجيل يوحنا الموجود حاليا يوحنا 14 : 16 : 15 : 26 و 16 : 7 تأتي كلمة كومفورتر Comforter
في النسخة الإنجليزية والتي تترجم في التراجم العربية بالمعزى عوضا عن الكلمة اليونانية باراكليتوس التي تعني المحامي أو المؤيد أو الشفيع
Advocate
الذي يُدعى لمساعدة أو معاونة إنسان آخر ، الصديق أو الولي الودود الحنون وهذه الترجمة مفضلة عن ترجمتها بـ المعزى ويؤكد علماؤنا الحاصلين على درجة الدكتوراة في الأدب والفلسفة
[15] أن كلمة باراكليتوس
Paracletos
تفسير خاص محرف أو قراءة محرفة لكلمة بيريكليتوس
Periclytos
ومعناها المستوجب للحمد وأنه كان هناك في القول الأصلي لعيسى نبؤة خاصة بنبينا الكريم أحمد بالإسم وحتى لو قرأناها باراكليت بارقليط أو فارقليط
Paraclete
فإنها تشير إلى النبي الكريم المبعوث رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ - الأنبياء : 107
وهو بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ التوبة -128
وانظر أيضا تعليقنا رقم 416 على الآية 81 مـن سورة آل عمران
[16] محمد صلى الله عليه وسلم هو الباراكليت إنه من الواضح لكل الباحثين عن الحق بإخلاص أن محمدا صلى الله عليه وسلم هو الباركليت
[17] الموعود
The Promised Paraclete
أو المعزى
Comforter
المسمى أيضا على سبيل التخيير بالمساعد أو المعين
Helper
والمحامي أو المؤيد أو الشفيع
Advocate
والناصح الأمين أو المشير
Counsellor
إلخ المذكور في نبؤات عيسى عليه السلام في إنجيل يوحنا